فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال زيد: فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فقلت: يا زينب أبشري فإن رسول الله يخطبك ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن زوجناكها فزوجها رسول الله ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار وجعل زيد سفيرًا في خطبتها ابتلاء عظيم له وشاهد بين على قوة إيمانه ورسوخه فيه.
{لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} أي: ضيق ومشقة.
قال في المفردات: أصل الحرج مجتمع الشجر وتصور منه ضيق بينها فقيل للضيق حرج وللإثم حرج واللام في لكي هي لام كي دخلت على كي للتوكيد.
وقال بعضهم: اللام جارة لتعليل التزويج وكي حرف مصدري كأن {فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئهِمْ} في حق تزوج زوجات الذين دعوهم أبناء والأدعياء: جمع دعيّ وهو الذي يدعى ابنًا من غير ولادة.
{إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي: إذا لم يبق لهم فيهن حاجة وطلقوهن وانقضت عدتهن فإن لهم في رسول الله إسوة حسنة.
وفيه دليل على أن حكمه عليه السلام وحكم الأمة سواء إلا ما خصه الدليل.
قال الحسن: كانت العرب تظن أن حرمة المتبني كحرمة الابن فبين الله أن حلائل الادعياء غير محرمة على المتبني وإن أصابوهن أي: وطئوهن بخلاف ابن الصلب فإن امرأته تحرم بنفس العقد {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ} أي: ما يريد تكوينه من الأمور {مَفْعُولا} مكوّنًا لا محالة لا يمكن دفعه ولو كان نبيًا كما كان تزويج زينب وكانت كالعارية عند زيد.
ولذا قال حضرة الشيخ افتاده افندي قدس سره: في اعتقادنا أن زينب بكر كعائشة رضي الله عنها لأن زيدًا كان يعرف أنها حق النبي عليه السلام فلم يمسها وذلك مثل آسية وزليخا ولكن عرفان عائشة لا يوصف ويكفينا أن ميله عليه السلام إليها كان أكثر من غيرها ولم تلد أيضًا لأنها فوق جميع التعينات وكان عائشة رضي الله عنها تقول في حق زينب: هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله ما رأيت امرأة قط خيرًا في الدين وأتقىوأصدق في حديث وأوصل للرحم وأعظم صدقة من زينب ماتت بالمدينة سنة عشرين وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة وأبدل الله منها لزيد جارية في الجنة كما قال عليه السلام: «استقبلتني جارية لعساء وقد أعجبتني فقلت لها يا جارية أنت لمن؟ قالت: لزيد بن حارثة» قوله: استقبلتني أي: خرجت من الجنة واستقبلته عليه السلام بعد مجاوزة السماء السابعة ليلة المعراج. واللعس لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلًا وذلك مستملح قاله في الصحاح.
وأبدى السهيلي حكمة لذكر زيد باسمه في القرآن وهي أنه لما نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لابَآئهِمْ} وصار يقال له زيد بن حارثة ولا يقال له زيد بن محمد ونزع عنه هذا التشريف وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بذكر اسمه في القرآن دون غيره من الصحابة فصار اسمه يتلى في المحاريب، وزاد في الآية أن قال: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه أي: بالإيمان فدل على أنه من أهل الجنة علم بذلك قبل أن يموت وهذه فضيلة أخرى.
ثم إن هذا الإيثار الذي نقل عن زيد إنما يتحقق به السالك القوي الاعتقاد الثابت في طريق الرشاد فانظر إلى حال الأصحاب يفتح الله لك الحجاب.
روي أنه عليه السلام آخى بعد الهجرة بين عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وبين سعد بن الربيع من الأنصار وعند ذلك قال سعد لعبد الرحمن: يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالًا فأنا مقاسمك وعندي امرأتان فأنا مطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك كما في إنسان العيون ثم دار الزمان فصار كل أمر معكوسًا فرحم الله امرأ نصب نفسه لرفع البدع والهوى وجانب جر الذيل إلى جانب الردى. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} أي: ما صح لهما: {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} أي: قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء، أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما ويعصوهما، لما في ذلك من المأثم، كما قال تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: فيما أمرا أو نهيا: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} أي: جار عن قصد السبيل، وسلك غير الهدى والرشاد، وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، حين خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة، فأبت لكونه مولى لا يماثلها في الشرف. فنزلت الآية فرضيت وتزوجها.
قال المهايمي: الظاهر أن الخطبة كانت بطريق الوجوب. ويحتمل أن تكون لا بطريق الوجوب، لكن اعتبار العار في مقابلة خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم معصية، لما فيه من ترجيح قول أهل العرف على قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع كونه قول الله بالحقيقة.
وقال بعضهم: إنما عد التنزيل إباءها عصيانًا، وكأنه أرغمها على زواجه، لما أوقع الله من المصلحة لها وللمسلمين في ذلك. وهو هدم تحريم زوجة المتبنَّى، الفاشي في الجاهلية. كما سيأتي سياقه. وذكر أيضًا أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. وكانت أول من هاجر من النساء- بعد صلح الحديبية- فوهبت نفسها للنبي صلّى الله عليه وسلم، فزوجها زيدًا- أي: بعد فراقه زينب- فسخطت، فنزلت الآية، فرضيت.
وروى الإمام أحمد عن أنس قال: خطب النبي صلّى الله عليه وسلم على جليبيب رضي الله عنه، امرأة من الأنصار إلى أبيها. فقال: حتى أستأمر أمها. فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «نعم إذًا». قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فأبت أشد الإباء. فقالت الجارية: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان قد رضيه لكم، فأنكحوه. قال: فكأنها جلت عن أبويها وقالا: صدقت. فذهب أبوها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إن كنت رضيته فقد رضيناه. قال صلّى الله عليه وسلم: «فإني قد رضيته». قال: فزوجها. ثم ذهب مع النبي صلّى الله عليه وسلم في غزاة، فقتل. ورُئي حوله ناس من المشركين قد قتلهم. قال أنس: فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت في المدينة. وفي رواية: فما كان في الأنصار أَيِّمٌ أنفق منها.
وذكر الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب أن الجارية لما قالت في خدرها: أتردون على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره، نزلت هذه الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ}.
ولا يخفى شمول الآية لما ذكر ولغيره، إلا أن تأثر هذه الآية بقصة زيد وزوجته، الآتية، يؤيد أنها نزلت في زوجه زينب، لتناسق نظام الآيات حينئذ، وظهور هذه الآية كالطليعة لهذه القصة الجليلة.
وقد قدمنا مرارًا أن معنى قولهم: نزلت الآية في كذا. أنها مما تشمله لعموم مساقها؛ ولذا سأل طاوس ابن عباس عن ركعتين بعد صلاة العصر فنهاه. وقرأ له هذه الآية.
قال ابن كثير: هذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وفي الحديث: «والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به». ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
لطائف:
الأولى- قالوا على الروايات السالفة: إن ذكر الله في الآية، مع أن الآمر لهم الرسول صلّى الله عليه وسلم، للدلالة على أنه بمنزلة من الله، بحيث تعد أوامره أوامر الله تعالى، أو أنه لما كان ما يفعله بأمره، لأنه لا ينطق عن الهوى، ذكرت الجلالة وقدمت للدلالة على ذلك. انتهى.
وهذا وقوف مع ما روي، وإلا فظاهر الآية يعم ما إذا قضى الله من كتابه، ورسوله في سنته.
الثانية-: {الْخِيَرَةُ} هنا مصدر، وذكروا أنه لم يجئ من المصادر على وزنه غير: طيرة.
الثالثة- جمع الضمير الأول- وهو لهم- لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث إنهما في سياق النفي. قال الشهاب: واعتبر عمومه، وإن كان سبب نزوله خاصًا، دفعًا لتوهم اختصاصه بسبب النزول، أو ليؤذن أنه كما لا يصح ما اختاروه مع الانفراد، لا يصح مع الجمع أيضًا كيلا يتوهم أن للجمعية قوة تصححه. انتهى.
وجمع الثاني- وهو ضمير من أمرهم- مع أنه الرسول صلّى الله عليه وسلم، أو له ولله تعالى، للتعظيم. هذا ما أشار له القاضي وغيره. مع أنه لا يظهر امتناع عوده على ما عاد عليه الأول، مع ترجيحه بعدم التفكيك فيه، على أن يكون المعنى: ناشئةً من أمرهم. والمعنى دواعيهم السابقة إلى اختيار خلاف ما أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم، أو المعنى الاختيار في شيء من أمرهم، أي: دواعيهم. وردّ هذا، بأنه قليل الجدوى، ضرورةَ أن الخيرة ناشئة من دواعيهم.. أو واقعة في أمورهم. وهو بيّن مستغن عن البيان. بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه صلّى الله عليه وسلم، أو متجاوزين عن آمره لتأكيده وتقريره للنفي. فهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأول.
قال الشهاب: وهو كلام حسن، ثم أشار تعالى إلى ما منّ به على المسلمين من هدم تحريم زوجة الدعيّ، والمتبنى الذي كان فاشيًا في الجاهلية، بما جرى بين زيد متبنَّى النبي صلّى الله عليه وسلم وزوجه من الفراق، ثم تزويجه تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم إياها، رفعًا للحرج فيه. فقال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي: بالإسلام ومتابعة النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو زيد بن حارثة: {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} أي: بالعتق والحرية والاصطفاء بالولاية والمحبة، وتزويجه بنت عمتك زينب بنت جحش.
قال ابن كثير: كان سيدًا كبير الشأن جليل القدر، حبيبًا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يقال له: الحب. ويقال لابنه أسامة: الحب ابن الحب. قالت عائشة رضي الله عنها: ما بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم، ولو عاش بعده لاستخلفه. رواه الإمام أحمد {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} أي: لا تطلقها: {وَاتَّقِ اللَّهَ} أي: اخشه في أمرها فإن الطلاق يشينها وقد يؤذي قلبها، وارعَ حق الله في نفسك أيضًا، فربما لا تجد بعدها خيرًا منها، وكانت تتعظم عليه بشرفها، وتؤذيه بلسانها، فرام تطليقها متعللًا بتكبرها وأذاها، فوعظه صلّى الله عليه وسلم وأرشده إلى الصبر والتقوى: {وَتُخْفِي} أي: تضمر: {فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أي: من الحكم الذي شرعه؛ أي: تقول ذلك، وأنت تعلم أن الطلاق لابد منه، وأن لا منتدح عن امتثال أمر الله بنفسك، لتكون أسوة لمن معك ولمن يأتي بعدك، وإنما غلبك في ذلك الحياء، وخشية أن يقولوا تزوج محمد مطلقة متبناه، وهذا معنى قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ} أي: قالتهم وتعييرهم الجاهلي: {وَاللَّهُ} أي: الذي ألهمك ذلك وأمرك به: {أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} أي: فكان عليك أن تمضي في الأمر من أول وهلة تعجيلًا بتنفيذ كلمته وتقدير شرعه، ثم زاده بيانًا بقوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا} أي: حاجة بالزواج: {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} أي: ضيق من العار في النكاح زوجات أدعيائهم: {إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي بموت أو طلاق أو فسخ نكاح {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} أي: قضاؤه واقعًا، ومنه تزويجك زينب. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هي أن الآية السابقة ذكرت الأوصاف التي تجمع صفات المؤمن الكامل الإيما.
ومن شأن الإيمان الصحيح أن يقيم في كيان صاحبه ولاء خالصا للّه، الذي آمن به، ولرسوله، الذي بلّغه رسالة ربّه، وشريعة دينه.. وإنه لا إيمان مطلقا، إذا لم يكن هذا الولاء ركيزة له، وأساسا يقوم علي.
فهذه الآية إذن تعقيب على تلك الأوصاف العشرة السابقة، وإشارة إلى أن تلك الصفات، لا محصّل لها- مفردة ومجتمعة- إلا إذا قامت في ظلّ الولاء للّه ورسوله، والتسليم المطلق لأمر اللّه ورسوله.
فإذا قضى اللّه ورسوله أمرا، لم يكن لمؤمن أن ينازع في هذا الأمر، أو يتوقف في إمضائه، أو يبدّل في صفته.. وإلّا فهو ليس من الإيمان في شىء.. إنه حينئذ يكون عاصيا للّه ولرسول اللّه، خارجا عن سلطانهم.
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}.
أما مناسبة الآية الكريمة لما بعدها فهو ترشيح لما ستقرره الآيات بعدها من مقررات، وبما تقضى به من أحكام للّه ولرسول اللّه، وأن على المؤمنين تلقى هذه المقررات وتلك الأحكام بما ينبغى لها، من طاعة وولاء مطلقين، من غير تعقيب أو تردّ.
فالآية في موضعها هنا، تعمل- مقدّما- على إخلاء شعور المؤمن من أية لفتة إلى غير ما يقضى به اللّه ورسوله من أمر.. وبهذا يستقبل المؤمن- في ولاء وامتثال- ما تحمل إليه الآيات التالية من أمر اللّه ورسوله.. كما سنر.
قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَرًا زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}.
زينب وقصة زواج النبي منها:
فى هذه الآية والآيات الثلاث التي بعدها، حدث من أحداث الإسلام، غرب به وجه من وجوه الحياة الجاهلية، وانتهى به أسلوب من أساليب نظامها الاجتماعى الموروث.
فقد كان الجاهليون يتخيّرون من يرون من أبناء غيرهم، ثم ينسبونهم إليهم نسبة الولد إلى أبيه، وقد كان هؤلاء المنتسبون إليهم بالتبني، في حكم أبنائهم من أصلابهم، يضافون إليهم إضافة أبوة، ويرثونهم إرث الابن لأبي.
ويحرّمون التزوج من نساء هؤلاء الأبناء تحريما مطلقا.. وقد أبطل الإسلام هذا التبنّي بقوله تعالى في أول هذه السورة: {ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ}.
ومن حكمة اللّه، أن كان للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم ابن بالتبنّي، هو زيد ابن حارثة.. وذلك ليكون في إبطال هذا التبنّي مثل يراه المؤمنون في النبىّ، حين يبطل نسبة زيد إليه، فلا يكون لمؤمن بعد هذا متعلّق بنسبة من كان منتسبا إليه من أبناء من غير صلبه.. وبهذا ينحسم الأمر في غير مهل أو تردد، إذ كان النبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- هو أول من نفذ هذا القانون السّماوىّ، وأول من ألغى التبنّي الذي كان قائما بينه وبين أحبّ الناس إليه، زيد بن حارثة.. الذي كان يدعى زيد بن محمد، ويدعوه المسلمون زيد حبّ رسول اللّه.. ولو كان في هذا الأمر استثناء لكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أولى الناس به، إذ لم يكن له ولد ذكر، ولكان هذا الاستثناء من خصوصيات النبي فيما كانت له- صلوات اللّه وسلامه عليه من خصوصيات. وهذا يعنى أن هذا الأمر حكم واجب على كل مسلم، وأنه أمر لا يرد عليه استثناء أبدا.